هذا النوع من الشَّفَاعَةِ وهو: إخراج أهل الكبائر من النَّار بعد أن دخلوها، ليست خاصة بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ بل هي أيضاً للملائكة ولعباد الله الصالحين، وفي هذا دليل عَلَى فداحة الخطأ الذي ذهب إليه من أنكرها، وقد سبق أن ذكرنا أن المُصنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ استدل عَلَى هذا النوع بقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {شَفَاعَتِي لِأهْلِ الكَبائِرِ مِنْ أُمَّتي}، والحديث بهذا اللفظ من جهة المعنى لا شك أنه صحيح، لأن الأحاديث في أن الشَّفَاعَة ثابتة لأهل الكبائر كثيرة جداً.
لكن هذه اللفظة قد تشعر بالاختصاص كأنه يقول: {شَفَاعَتِي لِأهْلِ الكَبائِرِ مِنْ أُمَّتي} وهي ليست كذلك وإن كانت قد تشعر بذلك، فالشَّفَاعَة ليست خاصة بأهل الكبائر بل هي أنواع -كما سبق- وهذا الحديث بهذا اللفظ ضعفه بعض العلماء، وبعضهم مال إِلَى تصحيحه أو تحسينه لكثرة شواهده وطرقه، ومن قال بصحته فهو مصيب لتعدد طرقه من جهة ولصحة معناه وثبوته في الأحاديث الصحيحة المتفق عَلَى صحتها من جهة أخرى.

قول المُصنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ هنا: [وهذه الشَّفَاعَةُ تُشاركُه فيها الملائكة والنبيون والمؤمنون أيضاً]، فلو أخر المُصنِّف هذه الجملة إِلَى آخر حديث أنس عندما يقول: وروى الحافظ أبو يعلى عن عثمان رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، ثُمَّ يأتي بالأحاديث الأخرى حتى يكون الكلام متصلاً، وقال بعد ذلك: وهذه الشَّفَاعَة تتكرر منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربع مرات.
كان ينبغي بعد ذلك، أن يذكر رأس حديث أنس الذي وقعت فيه الشَّفَاعَة أربع مرات حتى تُفهم وتكون أحسن في التنسيق والترتيب، أي: بعد أن يقول: (استمر عَلَى بدعته) يقول: [وهذه الشَّفَاعَة تتكرر منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربع مرات] ثُمَّ ينتقل إِلَى حديث البُخَارِيّ، أو نأتي من أحاديث هذا النوع حديث {شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي} وإن كَانَ تقديم الصحيح المتفق عَلَى صحته أولى، ثُمَّ بعد ذلك يذكر ما فيه احتمال، وبعد أن ينتهي من الحديث يقول: [وهذه الشَّفَاعَةُ يشاركه فيها الملائكة والنبيون والمؤمنون].